رسائل التنوير| مقدمة في أسباب التنوير..بقلم أحمد الرمح.





بقلم : أحمد الرمح

كـاتب وباحث سوري
 يـكتب فـي إصـلاح الفكر
 الديني عضو المنتدى 
العالمي للإسلام الديمقراطي
تعاني مجتمعاتنا معضلةَ عدمِ القدرةِ على معايشة المعاصرة؛ وفهم متطلبات الحداثة؛ وثقافة دولة المواطنة؛ وبما أننا مجتمعات (ثيولوجية) تعتمد النص الديني محركًا ودافعًا لها للعمل والتغير؛ وبما أن فهم النص الديني ما يزال مرهونًا ومقيدًا بالمعرفة التراثية فلا بد من حراك تنويري يقدح في العقل شرارة الابداع من أجل نهضة حضارية تستحقها بلادنا بعد كمون انحطاطي دام قرونًا.
فالتنوير هو جسر يربط المسلم والمجتمع بالفكر والقيم الحضارية المعاصرة ؛ ليكون مجتمعنا بما يمتلك من إرٍث حضاري قادرًا على البقاء والاستمرار والنهضة في مواجهة تطورات وتحديات المعاصرة التي يفرزها الواقع.
إن التنوير الذي نريده حتى نحقق خطوتنا الحضارية الأولى؛  يشبه كثيرًا الصناعة التحويلية لفكر وسلوك الفرد والمجتمع من خلال نقلهما من الجمود إلى الحركة؛ ومن التخلف إلى التقدم؛ ومن الهامشيِّة إلى الفاعلية؛ ليقرأ النص قراءة معاصرة تعيد انبعاث مقاصده الإنسانية؛ وتبعد عنه ثقافة الإلغائية واستعداء الآخر؛ وتُنهي ثقافة القطيعة لتحي ثقافة التشاركية بين أبناء المجتمع كلهم.
إن حركة التنوير الذي نحن بصددها تعتمد القرآن مُلهمًا؛ والتقدم العلمي والمعرفي سبيلًا؛ والمعاصرة والحداثة منطلقًا؛ لتتولد نظريٌة معرفيٌة تحرك العقلَ المُعَطلَ، حتى ينتج إبداعًا في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقة مع الأخر. هذا يعني أن التجديد والإصلاح الذي ندعو إليه في مجال فهم الإسلام؛ يجب أن ينتج حركة إصلاح ونهضة حضارية في كل مجالات الحياة؛ في الاقتصاد كما في الدين؛ في الاجتماع كما في السياسة؛ في الحرية كما في الأخلاق؛ في البحث العلمي كما في التكنولوجيا.
وقد ضاعت في زحمة تخبطنا من أذهاننا الثقافةُ القرآنية التي شُرِفنا بحملها لنتحرك بها سلوكيًا، فأدى ذلك إلى ابتعادنا عن الرشد وانتقالنا من مرحلة الشهود الحضاري إلى مرحلة الغثائية التي طفى على سطحها العبثية الفكرية واللا فاعلية؛ والتقاتل والتناحر المذهبي والطائفي، حتى فقد المجتمعُ البوصلةَ التي توجهه نحو الهدف الحقيقي، وتخبط فكريًا ولم يحسن التعامل مع الوسائل التكنولوجية المساعدة، حتى وصل إلى مرحلة الوهن، ليغدو الوطن لقمة سهلة لكل الطامعين.
وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك تنوير يؤدي إلى حركة إصلاح وتجديد حقيقية إلا إذا سمحنا لأنفسنا بالنقد البنَّاء، وهذا النوع من النقد هو لبنة الإصلاح والتجديد الأولى التي تدفع بالمجتمع نحو الخطوة الأولى في سلم الحضارة العالمي؛ وبما أن رسولنا أكد أن المجتمع الذي لا يُجدد لا خير فيه من خلال قوله (لا خير فيمن لا يضيف) فعلينا أن نعرف لماذا توقفنا عن الإبداع، لنبحث في الأسباب ونتابع العمل لنضيف ونجدد.
إنّ التنوير المنشود للحركة الإصلاحية يطالب العقل الديني العمل من أجل قضيتين أساسيتين لتحقيقهما؛ هما الحرية والعدالة الاجتماعية لجميع أبناء المجتمع مهما كان انتماؤهم الإيديولوجي، إذ أنّ هاتين القضيتين السبب لكل ثورة قامت، ولو استعرضنا تاريخيًا كل دعوة للإصلاح أو كل ثورة قامت لتبين لنا أنّ العدالة الاجتماعية أو الحرية؛ كانتا السبب الباعث لهما.
ينبغي علينا قبل التجديد والإصلاح أن نعرف أين الخلل لإجراء مراجعات حاسمة، فالإسلام أول منهج علمي دعا إلى النقد البنّاء، واعتبره عبادة يتقرب بها المؤمن لربه من خلال مصطلح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جعله الإسلام عمودًا من أعمدته لنجاح الحركة الإصلاحية.
إن المراجعات هي الخطوة الأولى في طريقي التجديد والإصلاح الشاقين، فمن خلالها نستطيع أن نضع يدنا على الداء لنَصِفَ الدواء؛ ومن خلالها نعرف عللنا وأخطاءنا والأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه؛ إنها أشبه بعملية الاستغفار التي يمارسها المؤمن يوميًا دون كلل أو ملل!؟.
وعلى هذا يجب علينا تغيير البنية الفكرية في التعامل مع المعلومة التي نتلقاها قادمة من التراث أو رجل الدين، فنحن نتعامل مع المعلومة على شكل مُسَلَّمة ثابتة! رغم كونها منتجًا بشريًا محضًا قابلًا للخطأ والصواب؟ وهذا يختلف مع المنهج القرآني، فالقرآن الكريم عندما قدم الإيمان بالله لم يفرضه مُسَلَّمًا به إنما دعا إلى الاستدلال وإعمال العقل واستخدام المنهج العلمي في التوحيد الذي هو قضية القمة حيث قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه.(محمد:19)
إن البنية الفكرية للعقل المسلم اليوم هي نسخة مصورة لعصر التقليد، حيث تكوّن بعد القرن الثالث الهجري على أساس تلقيني وتقليدي قياسي لا على أساس ابتكاري إبداعي يمحِّص المعلومة قبل الإيمان بها؟ هذا التأسيس الخاطئ وصل إلى البنية الفكرية لأصحاب الشهادات العليا لدينا، فمعظمهم ليسوا مبدعين؛ بل مجموعة جمعت المعلومات لعلم معين دون أن يكون لها أي دور في تطويره أو الإبداع فيه، وهذا يعود إلى التربية الثقافية التي نشأنا عليها في تلقي العلم.
إن أهم ما نحتاج إليه اليوم هو فتح المجال لجميع أبناء المجتمع؛ كي يعبروا عن آرائهم وأفكارهم ضمن أصول وضوابط حرية الرأي، والإسلام لا يخاف الحقيقة، ولكن هناك من الإسلاميين من يخاف منها، لخوفه على معرفته الناقصة وعلى مصالحه وعلى مسلماته المملوءة بالأخطاء، أن تهتز فلا يستطيع الدفاع عنها؟.

إن النقد البناء يختلف عن جلد الذات، كما يختلف عن مفهوم التشهير؛ لأنه نقد يدعو للتغيير باتجاه ما  هو أصلح وأنفع للمجتمع، نقٌد من أجل التطور والتحضر والإبداع، ولهذا نحن بحاجة إلى وقفة موضوعية مع موروثنا لنقد ما هو سلبي فيه، والتقدم ببحوث جادة؛ تقدم رؤاها وبرامجها لتقدم ونهضة المجتمع؛ أما إنْ بقينا صامتين وراضين لما نحن فيه ومباركين الماضي بسلبياته ومقدسين الموروث بكل ما فيه دون السماح بتمحيصه أو نقده، فإننا لن نتقدم ولن نتطور؛ وسنبقى نجتر هزائمنا؛ ونمارس اللطميات على مآسينا؛ ونلعن الظلام دون أن نوقد شمعة لتنير لنا سبيل الخلاص، من أجل ذلك كله؛ من أجل الإنسان والحرية والعدالة الاجتماعية ولأحياء ثقافة التشاركية بيننا وإنهاء ثقافة القطيعة ومن أجل دين يقدس الإنسان لا يكفره ولا يذبحه ولا يستعبده ستكون رسائل التنوير.   

نشرت في العدد/ 0 / كانون الأول /2016 لمجلة صوت العلمانية
 جميع الحقوق محفوظة لرابطة العلمانيين السوريين © 2016                              
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق