رأي | العلمانية و مأزق البحث عن الهوية الوطنية السورية..بقلم:محمد الشماع.


بقلم: محمد الشماع

ناشط سياسي باحث و مدير مركز بناء
 السلام و الديمقراطية، له عدة دراسات
 و مقالات رئيس تحرير مجلة التفكير لسوريا

لعل أبرز المشكلات التي أفرزتها الأزمة السورية هي الهوية الوطنية و تعدد مفاهيم الانتماء من منظور كل مكون سوري على حدا و حتى على مستوى الفرد ، من الطبيعي جداً أن تطفو هذه الإشكالية في ظل حرب طاحنة تدور على هذه البقعة من العالم بأدوات سورية و على أرض سورية و بتدخل قوى إقليمية و دولية إضافة لمصالح الفرق المتعددة السورية .
إذ تعتبر فروع هذه الإشكالية جديدة الطرح نوعاً ما لدى السوريين، لكن باعتقادي لا فروع من دون جذور ، قد تكون جديدة الطرح و مستغربة لكن لها أصول و عوامل عديدة ساعدت في بروزها بشكل متسارع.
إذ تعتبر الاحتجاجات في آذار العام 2011 أحد أهم العوامل التي ساعدت في الكشف عن هشاشة الهوية الوطنية و الانتماء و ما تتضمنه من مفاهيم الوحدة الوطنية و الهوية العربية السورية و الفسيفساء التي تشكل ثقافة الشعب السوري فالتعقيد الذي يصف المشهد السوري الراهن و ذلك بعد ست سنوات يلخص مدى القصور الذي يَتملك السياسيين و النخب إذ انجرف الغالبية في دوامة الصراع السوري و غاب مشروع خلق حالة فكرية ناضجة يعبر عن مفهوم الهوية الوطنية التي يشعر جميع السوريين بأنهم منتمين إلى كل هذه الأحداث و الثقافات التي شكلت هذه البقعة الجغرافية السورية.
في محاولة متواضعة لفهم هذه الإشكالية العميقة نحتاج لتحليل و تشخيص جذورها و سرد العوامل و الأحداث المتراكمة التي تسببت بها و من خلال طرح و إثارة التساؤلات التي تدور لدى غالبيتنا أيضاً.
محاولات البحث عن الهوية و التناقضات التي أفشلتها:
لن أعود بالزمن كثيراً و ذلك لتشعب القضايا الإشكالية و لحاجة تلك الفترات لبحث طويل و معمق  و ما تحمله هذه الأحداث من جدلية كبيرة، بل العودة إلى بدايات القرن العشرين الفترة التي تزامنت مع اتخاذ الدولة السورية بداية شكلها لم أستخدم مصطلحات فترة الدولة العثمانية أو الاحتلال العثماني، و ذلك لما تحمله هذه التسميات من نقاط خلافية لدى السوريين و من هنا بداية التناقضات التي أسهمت في نشأة الهوية السورية المتناقضة.
فالمرحلة العثمانية إعتمدت في نظام حكمها الشكل الإسلامي حيث تأثرت سوريا فيها إلى حد كبير كما تركت أثر بالغ و رواسب إلى يومنا هذا لدى كثير من المكونات السورية باعتمادها تهميش المكونات السورية الأخرى من طوائف و مذاهب و قوميات ، و رسخت من خلال سياستها للإقطاع عبر إعطاء الأراض و الضيع و القرى لشخصيات موالية لحكمها و توزيع الألقاب عليهم، هذه السياسات ساهمت إلى حد كبير بخلق شروخ مجتمعية مناطقية تحولت فيما بعد إلى ثورة الريف على المدينة و الطبقة التي تمثلها في المدن من تجار و ملاكيين تلخصت بظهور الفكر الاشتراكي و الشيوعي المبني على الحقد رداً على تحكم تلك الطبقة بأبناء الريف إبان العثمانيين.
فترة تواجد الفرنسيين في سوريا لم تختلف كثيراً في نتائجها عن الفترة العثمانية التي سبقتها من حيث النتائج  التي أثرت إلى حد كبير في وعي الشعب السوري و مفهوم الانتماء و الهوية فانتهاجهم الدفاع عن الأقليات كأحد الذرائع و خاصة المسحيين و بالتطابق مع العثمانيين الاختلاف في التسمية فراح البعض بتسميتهم بالانتداب أو الاحتلال لكن رغم سياستهم شهدت فترة تواجدهم مواجهة مع النخب من السياسيين و المثقفين كفارس بيك الخوري و الكثير، ساهمت هذه الفترة بالتأسيس لوعي وطني في مواجهة سياسات الفرنسيين ، لم يستمر بنفس النهج باعتقادي و ذلك لافتقاره لاستراتيجية تؤسس لتشكيل هوية وطنية .
الاستقلال و ما بعدها من خمسينيات القرن العشرين حيث يطلق عليها عدة تسميات وفقاً لمنظور كل منا كالفترة الذهبية للحياة السياسية السورية بالمقابل يطلق عليها أخرون فترة عدم الاستقرار السياسي و التدخل الدولي و الإقليمي في سوريا طبعاً وجهتّي النظر صحيحة التناقضات أهم ثمة تميز تلك المرحلة للأهمية التي ساهمت إلى حد كبير في تشكيل المجتمع السوري و الحياة السياسية و الفكرية الراهنة ذلك لمعاصرتها أهم الأحداث في العالم و في الشرق الأوسط .
فقد ساهمت إنتهاء الحرب العالمية الثانية في بروز عدة مفاهيم جديدة كالاقتصاد الحر و صعود ثقافة حقوق الإنسان و الحريات إضافة لبروز قوى بمقابل قوى تقليدية أخرى ، أحداث بالتوازي في منطقتنا من إحتلال فلسطين و ما خلفته من نكسة و خيبة لدى الشارع السوري حيث ذهب الكثير للبحث في الإنتماء العربي و من ثم إعلان الوحدة مع مصر بالطبع تجربة في مقوماتها مشابهة للأحداث السابقة و التي إسميها الخوف من مواجهة الحقائق و الهروب من الواقع دون العمل على حل جذور المشكلة.
الصراع الداخلي على مفهوم الانتماء و الهوية السورية في تلك المرحلة كان بين الكثير من التيارات بأشكال مختلفة دينية قومية عربية وليبرالية الموجودة آنذاك و التي يصارع كل تيار فيها ليثبت فكرته.
كما ذكرت في المقدمة عند أول تجربة حقيقية تواجه السوريين طفت إشكالية الهوية و الانتماء فالست سنوات الأخيرة و الحديث التي طرح فيها عن الفدرالية أو اللامركزية و الاختلاف على شكل الدولة و نظام حكمها إن كان برلماني أو رئاسي. الخ من مفاهيم و مصطلحات عديدة كما التعقيد في الصورة الراهنة للمشهد السوري يثير تساؤل عن الإمكانية فعلياً لصياغة عقد اجتماعي يضمن الانتقال بسوريا لدولة أسسها شعور جميع المكونات القومية و الدينية و المذهبية و الايديولوجية حتى بالانتماء إلى الحيز الجغرافي المسمى سوريا.
الخلاف الراهن مركب و معقد له أوجه عديدة ،التدخل الدولي و الإقليمي له توجهات مختلفة و أبعاد أعمق تختلف عن الأخرى هو صراع أقطاب دولية بذرائع و أدوات ديمقراطية و الحفاظ على سيادة الدول و صراع على قوى إقليمية بذرائع و أدوات أيضاً مذهبية أمام هذه المصالح المتضاربة أين المصلحة السورية أين الهوية السورية إذا ابتعدنا عن صراع المصالح أمام الكم الكبير من الأحداث و التحولات في تاريخ سوريا الحديث من العثمانيين إلى يومنا هذا ما هي الحلول الممكنة للخروج من مأزقنا.

خاتمة:
أعتقد أن وصولنا إلى دولة علمانية تتخذ الحياد اتجاه معتقدات جميع المكونات السورية إن كانت دينية أو قومية أو حتى ايديولوجية هي نتيجة  و ليست حل جاهز كما يطرح البعض و ذلك بسبب فشل جميع المشاريع و المحاولات لجميع التيارات الفكرية ،العلمانية و الفكر التنويري في أوروبا لم يأت كحل جاهز و إنما نتيجة عدة حروب و صراعات دموية أسهمت في الوصل لعقد اجتماعي يشعر الجميع بأنهم ممثلين فيه .
يعني الولاء للوطن أن الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه تسمو عن العلاقات القبلية والعشائرية والحزبية، ولا خضوع فيها إلا لسيادة القانون، وأن هذه الرابطة لا تنحصر في مجرد الشعور بالانتماء وما يطبع ذلك من عواطف، وإنما تتجلى إلى جانب الارتباط الوجداني، في إدراك واعتقاد المواطن بأن هناك التزامات وواجبات نحو الوطن لا تتحقق المواطنة دون التقيد الطوعي بها.

ولا تتبلور في الواقع صفة المواطن كفرد له حقوق وعليه واجبات، بمجرد توفر ترسانة من القوانين والمؤسسات، التي تتيح للمواطن التمتع بحقوقه والدفاع عنها في مواجهة أي انتهاك، واستردادها إذا سلبت منه، وإنما كذلك بتشبع هذا المواطن بقيم المواطنة وثقافة القانون، التي تعني أن الاحتكام إلى مقتضياته هو الوسيلة الوحيدة للتمتع بالحقوق وحمايتها من الخرق، وبالتالي لا مجال لاستعمال العلاقات الخاصة مع ذوي النفوذ، أو الاحتماء بمركز الفرد في القبيلة أو العشيرة، وهي ظواهر ما زالت حاضرة في الكثير من العقليات والسلوكيات داخل مجتمعنا السوري والمجتمعات النامية عموما.

نشرت في العدد/ 0 / كانون الأول /2016 لمجلة صوت العلمانية
 جميع الحقوق محفوظة لرابطة العلمانيين السوريين © 2016
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق