بحث | نقد الخطاب الإسلاموي ج2 بقلم: أحمد الرمح العدد1 صوت العلمانية.




بقلم : أحمد الرمح

كـاتب وباحث سوري
 يـكتب فـي إصـلاح الفكر
 الديني عضو المنتدى 
العالمي للإسلام الديمقراطي
في القسم الأول بيّنا مخالفة الخطاب الإسلاموي المعاصر لمنهج النبوة؛ وأوضحنا أنّ هذا الخطاب تكمن أزمته في عدة أسباب؛ شرحنا منها ثلاثة: الأول تمثل باعتمادهم الماضوية كمرجعية لذلك الخطاب. والثاني ثقافة السلة الواحدة التي تتحكم برؤيته للآخر. وأما الثالث: المنطلق المذهبي الذي يعتمده مما يجعل نظرته ضيقة تجاه الآخر في الدائرة الإسلامية ذاتها.
هذا العوامل جعلت التيار الإسلاموي غير قادر على السير في طريق الحداثة؛ يساهم في ذلك وجود دعاة فُتِحتْ لهم أبواب الفضائيات لترسيخ تلك الرجعية التراثية؛ يمانعون تيار التنويري ويخاصمونه من خلال اتهامات مختلفة؛ خطابهم أنتج ألف مشكلة لمجتمعنا؛ ولم يستطع حلَّ مشكلة اجتماعية واحدة؟! يبث سمومه الطائفية والمذهبية ضد الآخر؛ ويسعر نيران الاختلاف دون أدنى محاولة لحلها؛ ويتغنى بتاريخ الصراعات السياسية؛ لا بتاريخ الإبداع والابتكار؟ بل إن علماء الأمة المبدعين في نظر هؤلاء الدعاة إما زنادقة أو مرتدون وما الخوارزمي والرازي وابن الهيثم وسواهم إلا أمثلة على ذلك. حتى وصلنا إلى مساكنة التاريخ ورفض معاشرة المعاصرة؛ وتكنولوجيا المعاصرة تتحرش بنا وبمفاهيمنا؛ لكننا حولناها إلى أداة لتطوير حديّة الصراع دون محاولة للتفاهم أو حتى هدنة على الأقل! وهذا ما ولّد أزمة أخرى لهذا الخطاب تتمثل بـفشل مواكبة الحداثة؟.
رابعًا: الفشل في مواكبة الحداثة؟!.
الأوطان والمجتمعات تبنى على الثقة بين مكوناتها على اختلاف اعتقادهم وايديولوجياتهم؛ والدولة المعاصرة حيادية وتُبنى على مفهوم المواطنة أي الحقوق الكاملة غير المنقوصة، وأن هناك نصوصًا قيلت لظرف محدد ومعين؛ لا يجوز استحضارها في زمن آخر ومكان آخر؛ لما في ذلك من خلل وإساءة للإنسان الذي كرمه الله ودعا إلى تكريمه بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه:
 وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.(الإسراء:70)
علينا إدراك أنّ النصوص ثابتة، ووقائع الحياة متبدلة، ومقابلة الثابت بالمتبدل، سيؤدي لاضطرابات كثيرة اجتماعيًا واقتصاديًا وسلوكيًا، وليس أمامنا إلا أن نحرك الثابت أو نثبت المتحول، ومادام تثبيت المتحول والمتبدل مستحيلًا؛ لا بد من الاجتهاد في الثابت، لتحقيق العدل الذي هو روح النص وعلته. ومخالفة نٍص ما لتحقيق العدل؛ أرقى دينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا من إيقاع الظلم بذريعة الالتزام بالنص، وهذه قيمة سماوية الأخلاق؛ تخالف رؤية مَنْ يرى أنّ نصًا ما على علته؛ يجب التمسك به والعمل فيه؛ حتى  لو خالف تلك القيمة الإنسانية الأخلاقية وهدي السماء.
إنّ مجتمعاتنا تعاني تخلفًا علميًا وحضاريًا كبيرين مقارنًة مع المجتمعات الغربية؛ حتى أصبحنا نبتعد عن حركة الحضارة العالمية سنوات ضوئية! وهذا له أسبابه وعلى رأسها الاستبداد القامع لحرية الإبداع؛ واتباع دعاة كل همهم مهاجمة الحداثة؛ وكأنها رجس من عمل الشيطان؟! نتيجة هذا التخلف أصبحنا نتحدث في خطابنا عن الغرب بطريقة تربصية؛ نبحث عن النقاط السوداء لنضخمها بشكل مفزع؛ ونتغافل عن النقاط البيضاء المسببة لنهضته؛ هذه التربصية في الخطاب الإسلاموي جعلتنا ننكر كل تقدم يحققه الغرب سياسيًا وإنسانيًا، فمن أهم شروط مواكبة الحداثة الإيمان بالديمقراطية والمواطنة والحرية إلا أن الخطاب الإسلاموي ذا عقلية(الشنآن)لايزال يتحدث عن الديمقراطية بوصفها شركًا بالله لا شراكة ويستخدم الديماغوجية ضدها مستعينًا بقراءة عِضينية للحاكمية الإلهية؟ وتتحكم برؤيته لمفهوم المواطنة اجتهادات فقهية عفا عنها الزمن كمصطلح أهل الذمة وهو اجتهاد فقهي وليس أمرًا إسلاميًا مع هذا لا يزال عقبًة أمام مفاهيم واستحقاقات المواطنة وتطور شكل الدولة.
وعندما ترتفع أصوات المقهورين مطالبة بالحرية يلتفون عليها بأنها مطالب بالتحلل الأخلاقي! وربما يعود السبب في هذا إلى أن الكبت الجنسي الذي تربينا عليها هو ما يدفعهم لهذا التحليل، دون أن يبينوا أن الحرية هي حرية الرأي والنقد والتعبير؛ والرسول أول مطالبه من قريش كانت الحرية(خلوا بيني وبين الناس)لا شك أن الحضارة الغربية فيها سلبيات إلا أن إيجابياتها أكثر بكثير من سلبياتها فلماذا التركيز على سلبياتها وإهمال الإيجابيات والله يقول:
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى.(المائدة:8)
وكعادتنا عندما نفشل في منافسة الآخر في ميادين النهضة والحضارة والتنمية؛ نهرب في خطابنا ماضويًا لنتحدث عن أمجاد سالفة؛ فمن يُكثر الحديث عن التاريخ إنما يدل بشكل غير مباشر على فشله في الحاضر والمستقبل. وهذا يقودنا إلى سبب آخر يؤكد أزمة هذا الخطاب؟.
خامسًا الاستعلائية في الخطاب؟.
يعاني هذا الخطاب من اعتقاده الجازم بامتلاكه الصوابية المطلقة في كل ما يطرحه؛ إنه خطاب يتحدث بلغة الوصاية على البشرية كلها؛ ويدعوهم بالقهر لا بالحكمة! مستندًا على حديث منسوب لرسول الله(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وكأن البشرية قاصرة ونحن وحدنا نملك الرشد! حتى جعلنا الله سبحانه وتعالى لنا وحدنا وخصمًا لكل البشرية علمًا بأن أول تعريف عرّف الله به نفسه في القرآن الكريم أنه رب للعالمين؟!.
لقد جعلنا من الله سبحانه زعيمًا دينيًا لنا وحدنا تخلى عن الآخرين؛ وخلقهم ليزجّ بهم في الآخرة بجهنم بعد أن نقتلهم في الدنيا!؟. ثم اختلفنا على الله فيما بيننا! وآمنا بكذبة (الفرقة الناجية) لنذبح بعضنا بعضًا!! ففي دراسة نشرتها مؤخرًا مجلة (نيويورك تايمز) بينت أن70% من ضحايا هجمات السلفية الجهادية هم من المسلمين أنفسهم حتى قالت: إن العرب اليوم يحاربون العرب ويدمرون بلادهم بأيديهم وإسرائيل ليست مسؤولة عما يفعله المسلمون بأنفسهم ومن حقها أن تشعر بالراحة والأمان طالما أن العرب تكفلوا بتدمير بلادهم؟!.
إن الاستعلائية في الخطاب الواضحة في الأحاديث المنبرية والتربية الإسلامية تجاه الآخرين شكلت ردة فعل لديهم لتهدم جسور التواصل والتشاركية معهم.
سادسًا: الاتهامية للآخر؟!.
يحمل هذا الخطاب اعتقادًا بأن العالم كله يتآمر علينا؛ وهذا نتيجة الإيمان بثقافة السلة الواحدة التي بينّاها آنفًا؛ حتى أصبحت نظرية المؤامرة جزءًا لا يتجزأ من خطابنا مما يشجع ثقافة الإلغائية وينميها عند الناشئة؛ فخطابنا مع الآخر اتهامي؛ نحن نتهم الحضارة الغربية بأنها حضارة مادية ونتغافل عما قدمته علميًا! ونشكك بنوايا من يعيش بيننا لنتهمه بالعمالة للخارج؟ ولا نثق بالعلمانيين والقوميين رغم أن كثيرًا منهم معنا بنفس الخندق في صراعنا مع الاستبداد؟ وإذا ما اجتهد إسلامي وقدم رؤية معاصرة للدين تنهال عليه الاتهامات بالعمالة لجهٍة ما والمروق من الدين لتصل إلى الكفر والردة لاستباحة دمه؟! وبمنطق الاتهامية يتهرب أصحاب هذا الخطاب من مقارعة الآخر علميًا ومنطقيًا وحواريًا لعدم قدرتهم على ذلك.
ختامًا:
إن هذا الخطاب الرافض للآخر الداعي للتصارع معه حتى الموت؛ المختلف حتى مع المسلم الآخر أوصلنا إلى هذه المأساة التي نعيشها؛ أدى إلى صراع فيما بيننا حتى دمرنا بلادنا وساهمنا بذبح أولادنا تحت ذرائع مختلفة.
ولا يزال هذا الخطاب تُفتح لها أبواب الفضائيات المستفيدة من استمراره والمحرضة على بقائه؛ وهذا يعني أن دائرة الاقتتال وسفك الدماء ستبقى مفتوحة؛ وأن التخلف والانحطاط سيبقى مستمرًا؛ فإما أن نهرع لمراجعات حقيقية لمفاهيم كثيرة وثقافات متعددة؛ وأما أن يبقى نصيبنا من العالم كله التخلف والهزيمة؛ ليبقى مجتمعنا منبوذًا خارجًا عن نسق الركب الحضاري؛ ونبقى عالة على الغرب الذي نوصمه بالكفر واللاأخلاقية ثم نهرع في أزماتنا طالبين اللجوء إليه بحثًا عن الأمن والأمان.
إن المراجعات المطلوبة يجب أن تكون جادة؛ ويجب أن يقوم بها الجميع على مختلف أيديولوجياتهم القومية والعلمانية، والخطاب الإسلاموي ينبغي التحول من خطاب ثقافة السلة الواحدة تجاه الآخر ونظرية المؤامرة والمذهبية الضيقة إلى رحابة الأخوة الإنسانية؛ ومن خطاب الهمِّ والغمَّ وعذاب القبر وجهنم بأسلوب أفلام الرعب إلى خطاب حب الحياة والاستمتاع بها، ولنا في الكلمات الخالدة لرسولنا الكريم لمن أرادوا هجر متعة بالحياة خير دليل: حُبب لي من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني الصلاة.


لقراءة الجزء الأول للبحث إضغط هنا 

شرت في العدد/ 1 / كانون االثاني /2017 لمجلة صوت العلمانية

 جميع الحقوق محفوظة لرابطة العلمانيين السوريين © 2016  
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق