مقالات | العلمانية كحاجة مجتمعية أساسية ملحَّة..بقلم د.عمار عرب.


بقلم: د. عمار عرب

أخصائي في جراحة الدماغ والأعصاب
 ،مقيم في ألمانيا،  كاتب إنساني و باحث
في الشؤون العلمانية و التنوير الديني و
في مجال حقوق الإنسان.
العلمانية كما يعرف معظمنا هي عبارة عن حركة فكرية مجتمعية تهتم بالمجتمع من منظور دنيوي وليس من منظور ديني تيوقراطي ضيق لأحد المكونات الدينية لأي دولة ، و هي مع تطور المجتمعات أصبحت حاجة أساسية للمجتمع من أجل تحريره من أي سلطة كهنوتية تريد إخضاعه لرغباتها ونزواتها ، وهنا كانت ضرورة تطبيقه في أي دولة حداثية ولكن هل هذا كل شيء؟
في الحقيقة هناك الكثير من الحاجات الأساسية للمجتمعات التي تجعلنا  نتمسك بالعلمانية من أجل تحقيقها نذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- لا ديمقراطية حقيقة دون علمانية :
أنا أزعم أن البلاد التي تطبق أو تريد الإنتقال لتطبيق نظام الحكم الديمقراطي لا يمكنها الإستفادة من خيرية الديمقراطية دون أن تطبق العلمانية وبصرامة و إلا فتستطيع أي حركة دينية تيوقراطية أن تصل للحكم بسهولة من خلال القول بأنها تؤمن بالديمقراطية، ويكفيها ما ستحصل عليه من دعم من قبل كهنة المعابد القادرين على حشد البسطاء الذين ولدوا بالصدفة على هذا الدين وحسبوا عليه أفواجا في معركة غير نزيهة على أساس الإنتماء الديني أو الطائفي الضيق للمرشح وليس على أساس برنامجه السياسي ولا الإجتماعي ولا الإقتصادي ، ولا على أساس كفائته و علميته وقدرته ولكن فقط على أساس ولائه لها، وبالتالي يصل هؤلاء الكهنة إلى حكم المجتمع من جديد كي يضعوا العصا الفقهية الغليظة في العجلة الديمقراطية ليتم منعها من الدوران، مما يتبعه من إنقلاب كهنوتي بفتاوى فقهية لترسيخ أساسات جديدة لمجتمع متخلف تيوقراطي الطبيعة شبيه بنظم حكم القرون الوسطى، ولذلك فلا بد أن يكون أول شرط لإقامة نظام ديمقراطي هو تطبيق العلمانية الصارمة التي تقف بحزم ضد أي محاولات كهنوتية دينية أو طائفية للتدخل بآليات الحكم  .

2- العلمانية تضمن حرية التعبير والرأي والعبادة والمعتقد :
إن منع العلمانية لتدخل الكهنة في نظام الحكم والشأن العام للدولة لايمنع حرية العبادة و نشر المعتقد أبدا بل على العكس فهو يرسخها ويحميها و يمنع تحويل الدولة إلى كيان ديني مغلق لطائفة معينة دون غيرها ، ويمنع تدخل أي طائفة بطائفة أخرى والإعتداء أو الطغيان عليها، بل يمنع حتى الإعتداء على حق اللادينين في ممارسة قناعاتهم . وبالتالي فوظيفة العلمانية هو تأمين فضاء ليبيرالي حر للإعتقاد والبحث والإبداع و القراءة والتنوير و نشر الأفكار و لذلك فالفكرة الصحيحة ستنتشر في الوسط الديمقراطي العلماني كالنار في الهشيم لأنها لا تخاف من مقص الرقيب السياسي أو الديني .

3- العلمانية شرط للتطور في المجتمعات الديمقراطية أثبت نفسه عالميا :
العلمانية التي طبقتها كثير من دول العالم الديمقراطية أثبتت بالأرقام و الأفعال أنها النظم الأفضل والأكثر عدالة لحكم المجتمعات وتقويتها وتطويرها، لأنها بداية تحمي الإبداع الفكري و العلمي من تدخلات الكهنوت و الطغاة و من أي دكتاتورية ثقافية كانت تريد أن تفرض إتجاهاتها أو مصالحها على المبدع . فمن هنا ليس علينا أن نعيد إختراع العجلة من جديد في سبيل البحث عن أفضل أنظمة الحكم فهذه برأيي سطحية و تخلف بل علينا أن نأخذ أفضل ما توصلت إليه المجتمعات في تطورها عبر التاريخ حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم ونطبقها في مجتمعاتنا، وهي بدون أدنى شك نظم الحكم العلمانية الديمقراطية الليبرالية لأنها النظم التي تقف على مسافة واحدة من كل مكونات المجتمع دون إستثناء أو فيتو لطرف ما منه .

4- العلمانية حماية من العنصرية السياسية :
إن من أهم المباديء التي بنيت عليها العلمانية هو إيمانها بالنسبية ، و بالتالي فلا مكان لحزب سياسي يريد أن يرسخ نفسه على أنه الحقيقة المطلقة كما هي الإحزاب القومية أو الطائفية ، وأي حزب قومي يدعي أنه علماني هو حزب يمارس التغالط المنطقي حماية لمصالحه العنصرية و ماذلك إلا من مبدأ بسيط هو أن الحقيقة شيء نسبي ولا أحد يملك الحقيقة المطلقة .
ومن هنا فأنا أدعي أن لا نظام في البلدان الناطقة بالعربية قد طبقت العلمانية بشكل حقيقي وواضح رغم إدعاء بعض الأنظمة أنها علمانية، ومع ذلك قامت بتحجيم وإضطهاد بعض المكونات الأخرى للمجتمع لأسباب عنصرية قومية أو دينية .


هذه بعض الأسباب البسيطة من عشرات الأسباب التي تجعلنا ندافع عن العلمانية وتطبيقها بكل حزم في مجتمعاتنا إذا أردنا أن نراهامتطورة تلحق بركب الأمم في يوم من الأيام .
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق