مقال | الدين والدولة؟. بقلم: أحمد الرمح.




بقلم : أحمد الرمح

كـاتب وباحث سوري
 يـكتب فـي إصـلاح الفكر
 الديني عضو المنتدى 
العالمي للإسلام الديمقراطي
الدين والدولة؟.
التداخل في المفهومات والخلط بينها؟ يؤدي إلى خلل في إدراك مقاصد المصطلح؟ ومن هذه المفاهيم المختلطة والمتداخلة علاقة الدين بالدولة الحديثة ودور كل منهما. هذه المسألة أحد معوقات حل أزماتنا! ساهم فيها فريقان: الأول علمانوي خلط مابين علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالحياة فطالب بطلاق بائن بينونة كبرى مع الدين؟! والثاني إسلاموي جعل العلاقة بينهما كالعلاقة بين(توأم السيماوي) متى ما فرّقت بينهما ماتا؟!. فالأول أراد أن يجرد الدين من أي علاقة له بالحياة!؟ والثاني أراد الدين متدخلًا في كل مفاصل عمل الدولة وأسلمتها.
هذا الخلط في إدراك دور ووظيفة كل من الدين والدولة؟ جعل المعركة الدنوكوشية مستمرة بين الفريقين بلا نتيجة على مدار قرن كامل؟! ينظر فيها كل طرف بمكارثية للآخر! ويعمل على نتيجة صفرية معه! مما جعل الاستبداد يبطش بهما، ويتربع على رأس الدولة ليحكمها بفرعونية.
الدين والدولة؟.
قبل الدخول في الفوارق الموضحة لدور كل منهما، لابد من تعريف للدين والدولة كأساس لتوضيح الفوارق، الدين كما عرفه الدكتور عبد الله دراز في كتابه(الدين) وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل.
وحول هذا المعنى دارت التعاريف في تحديد معناه حيث يقول(سيسرون) في كتابه(عن القوانين): الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان بالله. ويقول (الأب شاتل) في كتابه(قانون الإنسانية): الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق: واجبات الإنسان نحو الله، وواجبـاته نحو الجماعة، وواجباتـه نحو نفسه.
وإلى المعنى الشرعي الذي اختاره علماء مسلمون وغربيون تنصرف كلمة (دين)إلا إذا جاءت قرينة تصرفها إلى معاني لغوية أخرى.
أما الدولة لها تعريفات كثيرة منها تعريف الفقيه الفرنسي(Bonnard) في كتابه(المفهوم القانوني للدولة): وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية؛ لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة شعب مستقر على إقليم محدد وتباشر حقوق السيادة بإرادتها المنفردة وعن طريق استخدامها القوة المادية التي تحتكرها.
من خلال التعريفين نجد أن الفارق كبير بينهما، لكن الاستلاب التاريخي لدولة الخلافة الإسلامية وعلاقتها الوثيقة بالدين؛ جعلنا نخلط ما بين دور ووظيفة كل منهما؛ فلم ندرك تغير طبيعة الدولة بين عصرنا والعصر التي كانت تأخذ مشروعيتها من الدين.
اليوم الوضع تغير كثيرًا، فكما نؤمن بأن الطب بات تخصصات متعددة وكثيرة؛ فلا يحق لطبيب أن يداوي مريضًا خارج اختصاصه، كذلك فإن للدين وظيفة لا قهرية؟ أما الدولة فلها وظيفتها وتمتلك أداة القهرية لتنفيذ سلطاتها وقوانينها لخدمة المجتمع، هنا نتساءل؟.
ما الفارق بين الدين والدولة؟.
حتى يحافظ الدين على طهارته؛ وتعمل الدولة دون اختلاف أو خصومه معه؛ لأن غاية الطرفين تحقيق الأمان والسلام للمجتمع، لا بد من إدراك الفارق بينهما.
الثقافة الدينية تهيمن على سلوك الفرد في مجتمعاتنا لتصبغه بصبغة شرعية وهذا ممدوح؛ لكنه يصبح مذمومًا حينما يتدخل الدين في الدولة أو العكس؛ فالدولة اليوم مؤسسة محايدة تقوم على خدمة المجتمع بشتى انتماءاته الدينية والعرقية دون تمييز، وتحاسب المخالف على سلوكه دون أن يكون لها تدخل بانتمائه الديني أو الإيديولوجي مادام منسجمًا مع القوانين الناظمة للمجتمع.
أما الدين فسلطانه يبدأ من وجدان الإنسان ويتدخل في أدق مفاصل حياته الشخصية؛ ليصبغها باعتقاده لتكون أخلاقية ذات نفع له وخير لمن حوله؛ ويعدُّ الصالح بثواب يوم الحساب.
حتى تتوضح الصورة أكثر سأستعير جملة مفتاحية للدكتور محمد شحرور توضح تلكم الفوارق المتداخلة والمختلطة طرحها في نهاية كتابه( الدين والسلطة): الدين يتدخل في حياة الإنسان الشخصية أما الدولة فلا تتدخل فيها والدين لا يقيد الحلال أما الدولة فتنظم الحلال تقييدًا وإطلاقًا والدين لا يمتلك أداة الإكراه أما الدولة فتمتلكها والدين يوجه الناس طوعًا لسعادة الدنيا والآخرة أما الدولة فمهمتها المحافظة على سعادة وكرامة وأمن وحريات الناس في الدنيا فقط.
القياس الخاطئ:
دائمًا يُقاس في علاقة الدين بالدولة بحياة النبي الكريم عندما كان زعيمًا سياسيًا للمجتمع ورسولًا مبلِغًا عن ربه؛ ولكن المشكلة أننا لم نفرق بين تصرفات النبي ذاتها فجعلناها كلها تشريعًا! وهذا خلل وضحه علماء مثل(القرافي) في كتابه(الفروق) وكذلك الكرابيسي في(الفروق) حيث بيّنا أن هناك أفعالًا قام به كرسول هي واجبة الاتباع؛ ولكن هناك أفعال أخرى قام بها بموجب الجبّلة البشرية كزوج وسياسي وعسكري وقاضٍ إلخ يجب التفريق بينها.
نتيجة هذا القياس الخاطئ منحنا سلطة التشريع حتى للخلفاء الراشدين، ولم نفطن إلى أنهم كانوا زعماء دولة؛ وليسوا مشرعي دين؛ هذا الخلط أدى لسوء فهم بين وظيفة الدولة ودور الدين؟! وساهم في الخلط ذاك الحديث المحفوظ عند المسلمين: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. وهو حديث ثابت ضعفه بشهادة علماء الحديث أنفسهم؟! ولكن بعض الفقهاء لم يتحروا ضعفه! فبنوا عليه أحكام خلطت بين الحكم الشرعي والقرار السياسي؟!.
ونأخذ على سبيل المثال تصرف أبي بكر مع مانعي الزكاة، كان تصرفًا بصفته زعيمًا للدولة وليس مشرعًا؛ حيث وجد أن تمردهم ضار بخزينة الدولة وهيبتها فقرر معاقبتهم؛ حتى عمر بن الخطاب غاب عنه بدايًة هذا الفارق من خلال مراجعته الشهير لقرار أبي بكر.
عمر ذاته أدرك الفارق بين الدولة والدين ففي عهد رسول الله كان الرجال والنساء يتوضؤون في مكان واحد؛ وكان الاختلاط مباحًا؛ لكن عمر وجد أن من الرجال والنساء من استغل ذلك لفساد ما؟ فأصدر أمره بمنع الاختلاط، فتصرف كزعيم دولة لا كمشرع، وبالتالي فقراره تنتهي صلاحيته متى ما اختفت العلة الباعثة لإصداره، لكن كثيرًا منا جعل أمره تشريعًا لا قرار زعيم دولة! فحرّم الاختلاط؟! فالدين يحرِّم والدولة تمنع، والفارق بين التحريم الديني ومنع الدولة كبير جدًا.
من خلال ما تقدم فإن الدين له علاقة في حياة الإنسان الشخصية من حيث المظهر والمخبر؛ ويحث على المحبة والعفو والتسامح، أما الدولة فلا تتدخل في سريرة الإنسان ولكنها تحاسبه قانونيًا عليها عندما يحولها إلى سلوك عدواني ضار بالآخرين وتعاقبه عليه، فالدولة لا تجبرك على حب شخص ما أو مكون ما؛ ولكنها تمنعك بالقوة التنفيذية من الاعتداء عليه.
في الجانب الاقتصادي:
الدين يرهِّب المتدين من ممارسة الغش والاحتكار ولكنه لا يمتلك قوة قهرية دنيوية على ذلك، ويتركه لإيمانه وأخلاقه ولكن يتوعده بعقوبة أخروية، أما الدولة فلديها القوة التشريعية والتنفيذية لمحاكمة ومعاقبة من يغش أو يحتكر بحسب قوانينها.
والدين لا يحدد الأسعار ولا يفرض حدًا معينًا للربح، ولقد طلبوا كثيرًا من النبي أن يسّعر فرفض، وترك المسألة لضمير المؤمن، أما الدولة فيحق لها وبقوتها القهرية تحديد الأسعار ومراقبتها وضبط الأسواق ومنع الربح الفاحش.
لذلك نقول: إن الدين لم يضع نظامًا اقتصاديًا محددًا للمجتمع حتى يسير عليه، ولكنه وضع قيمًا أخلاقية تضبط حركة الاقتصاد والتجارة أخلاقيًا لمنفعة المجتمع، أما الدولة فيحق لها سنّ نظام اقتصادي يسير عليه الاقتصاديون والتجار مرتبط بسياستها.
في الجانب الاجتماعي:
الدين لا يُكره الشباب على الجهاد ولكنه يرغب به ويجعله أمرًا اختياريًا، أما الدولة فيحق لها تجنيد الشباب وسن قوانين الخدمة العسكرية لمصلحة المجتمع وأمنه وسلامته، وكذلك الدين يرغب بالعلم ويدعو للتعلم ولكنه لا يعاقب غير المتعلم؛ أما الدولة فلها الحق بإجبار أولياء الأمور على جلب أولادهم للتعليم ومعاقبة من يخالف ذلك. والدين لا يحرم الزواج من الكتابية، أما الدولة فيحق لها منع هذا الزواج إنْ كانت من دولة بيننا وبينها حرب. كذلك لا يحدد النسل، أما الدولة فيحق لها تنظيمه لا منعه، والدين يسمح بتعدد الزوجات بشروط محددة، أما الدولة فيحق لها منع التعدد لا تحريمه للمصلحة العامة.
الجانب السياسي:
الدين لم يحدد لنا نظامًا سياسيًا نلتزم به كالنُظم المعروفة، ولكنه يطالب جهاز الدولة بالعدل مع كل رعاياها دون تفريق، ولم يحدد عمر الحاكم ولا مدة ولايته، أما الدولة يحق لها وضع مادة في الدستور تحدد عمره ومدة ولايته، والحاكم في الدولة وفق صلاحياته الدستورية نتيجة أزمة ما أو لظرف ما؛ يحق له إيقاف العمل بحكم شرعي دون إلغائه أو إبطاله؟! وهذا ما فعله عمر في سهم المؤلفة قلوبهم والقطع عام الرمادة وتوزيع سواد العراق؛ وبدراسة الروايات والبحث فيها نلاحظ أن فعل عمر كان بوصفه زعيمًا وليس مشرعًا، ولو كان مشرعًا لما اعترض عليه الصحابة وخالفوه في قراره؟!.
مما تقدم: الدين يحرم والدولة تمنع، الدين يعاقب أخرويًا والدولة ترهَب دنيويًا، الدين له عبادة تأخذ الأجر عليها من الله، الدولة تريد عملًا تمنحك عليه الأجر، فالفارق كبير ما بين تحريم الدين ومنع الدولة، فتحريم الدين أبدي ومنع الدولة ظرفي متغير.
وبناء عليه فالدولة كائن اعتباري دائمة الصيرورة؛ خضعت عبر التاريخ لسيرورة، جعلتها بهذا الشكل الحداثي المتفق عليه، وعندما نخلط بين دور الدين ووظيفة الدولة؛ فإننا نسيء للدين ونعرقل عمل الدولة.
ويبقى الدين يهذب المتدين ذاتيًا؛ لينتفع منه المجتمع موضوعيًا دون إكراه؛ إنما بعملية ترغيب وترهيب أخروية، وتبقى الدولة تقيّد المواطن موضوعيًا لينضبط مع حركة المجتمع المنتظمة بقوانين نافعة، ولابد من فصل تدخل الدين بوظيفة الدولة، ومنع الدولة من استخدام الدين لتمرير سياستها، فالدين لله والدولة للجميع.


جميع الحقوق محفوظة لرابطة العلمانيين السوريين © 2017  





شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق